فهناك نظريات متنوعة تفصل المشاكل للترجمة، ويجمعها الباحث ما قدمه م. زكا الفارسي (Al-Farisi: 1011) تلك المشاكل في نقاط تالية :
أ) التضامم
وهو لغة الإتحاد، واصطلاحا أن تتحد كلمتين في كلمة واحدة يجمعمها معنى واحد، ويعرف أيضا بـ" علامة الإدماج، وتوافق الكلمة (Al-Farisi :2011). وهذه مصطلحة قدمها فيرتح، من علماء علم اللغات ببريطانيا، وهو يقول " أن تفسر أنت كلمة بكلمة تجاورها ".
ولكل لغة تضامم في مفردتها، مثل ما في الإندونيسية، أن “ ayam “ بمعنى الدجاج في العربية، و كلمة " Kampus " بمعنى الجامعة، فإذا جمعت هاتين الكلمتين فلا تقولن في العربية " دجاج الجامعة " في معنى قولك "ayam kampus"، إذ معناه المراد هو البغي من البنات التي ذات الجمال والهيئة. وكذا في العربية كثير من التضامم، فمنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديثه " فمن رغب عن سنتي فليس مني "، فقد اختلف معنى رغب إذا تلاها حرف "على " عن كلمة رغب إذا تلاها حرف "في" إذ معنى رغب على هو الإعراض عنه وتركه، وأما رغب في فعكسه، يعني أحبه، وكذا إذا تلتها حرفي "ب" و "عن" في نحو قولنا " رغبنا بالتفاحة عن الرمان " إذ معناه فضّلنا التفاحة عن الرمان.
ب) نقل الحروف
لقد لقي المترجم الصعوبة في نقل الحروف اللاتينية إلى العربية وكذا عكسه، وأكثر ما وجده المترجم في نقل الحروف فيما يتعلق بالأسماء، مثل بنجاجك لـ" Pinchuck "، ونيومارك لـ "Newmark "، ماكجوير لـ "McGuire"، وغيرها. وأما العربية إلى الإندونيسية فقد كثرت هناك القواعد الواضعة لما يتعلق بنقل الحروف، فلبعض المترجمين قاعدة تختلف عن بعضهم، ولبعض دار المطبع قاعدة أخرى خلافا لبعضها. فذلك يزيد صعوبة فن الترجمة في الإندونيسية، فمنها ما قرره الوزارة الشؤون الدينية، فمن قواعدها أن الصاد (ص) تكتب بحرف "s" المنقوطة تحتها، وأما الثاء (ث) فبحرف "s" المنقوطة تحتها. وكذا بعلامات الترقيم، فقد خرج علامت الترقيم في العربية بما في الإندونيسية، فمنها أن في العربية علامات الترقيم التي لم تعرف في الإندونيسية مثل علامة الحذف (.....)، وعلامة التنصيص ( <<>> )، وعلامة الفاصلة المنقوطة ( ؛ ) وغيرها.
ج) الجمل وترتيب الكلمات فيها وبناءها
فقد فصل الباحث فيما مضى مبحثه أن جمل العربية تتنوع إلى عدة كثيرة. فالمترجم الذي لم يتكامل عليه الكفاءة في عناصر اللغة فلا يستحيل من أن يمسه الصعوبة في فهم الجملة المختلفةس بين اللغتين، فجملة العربية لها أغراض، فعلى سبيل المثال، ينبغي للمترجم فهم أقسام الجمل وأغراض كل منها. فالجملة الأمرية مثلا، قد تكون غرضها للأمر وهو الأصل، وقد تكون للإباحة ومأ إلى ذلك.
مثل قوله تعالى: " كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ". فالأمر هنا لا يقتضي معنى الأمر بالأكل والشرب. بل إباحة الأكل ليلة رمضان ما دام لم يشرق الفجر. والعربية أيضا نجد فيها أن الجملة يجوز أن تبتدأ بالأسماء وبالأفعال، وأما في الإندونيسية فلا تكون إلا بالأسماء، فيختلف قولنا " ذهب زيد " عن قولنا " زيد يذهب ".
نعم، لكل لغة حالة وظرف يتغير المعنى حسب ترتيب الكلمة وحالة وظرف آخر، لم يتغير فيه المعنى وإن كان ترتيب الكلمة يتغير. ونموذج الذي لم يتغير فيه المعنى في قولنا " الآن، أكتب مقالة " و قولنا " أكتب مقالة الآن "، ولكن أكثر ما حدث في العربية، أنه إذا تغير ترتيب الكلمات وبناءها تغير أيضا معناها، فخرج كل من قولنا " ما قام زيد " و "ما قائم زيد " و " ما قام إلا زيد "، أو " إنما زيد قام " و " إنما قام زيد ". إلا إذا كانت هناك علة وفرينة يصح فيها المعنى كما سبق.
د) المصطلحات وتعابيرها
المصطلحات هي مميزات لكل اللغات، فلا تكون هذه هي الشكلات عند المترجم، فإن المترجم من واجباته أن يستبطن ويفهم ما أمكنه من فهم اللغتين، المنقول منه والمنقول إليه، إلا إذا لم يكن في المنقول منه من مصطلاحات ما يقابله في مصطلحات المنقول إليه. فنعرف كثيرا مصطلحات العرب ما يقابله في الإدونيسية، مثل القمران " الشمس والقمر " و "المغربان " المغرب والمشرق، والثقلان " البشر والجن " وغيرها. ولكنه تكثر أيضا مصطلحات العربية التي لم توجد مرادفها في الإندونيسية، مثل بحيرة، وسائبة، وتمر، وعنب، وغيرها. وأكثر ذلك فيما يتعلق بالثقافة، مثل عنق الدهر، نعومة الأظفار، والذمة، بيضة الديك وغيرها. فيلزم من ذلك على المترجم أن يفهم ثقافة اللغتين.
وكذا تعابير المصطلحات، فذلك يزيد في المترجمة مشكلة للمرة الأخرى. فتعابير المصطلحات هي ما تركب من كلمتين فأكثر وصارت في تعبير ومعنى واحد لا يتمكن من ترجمته الحرفية، مثل " إنما بعد العسر يسرى "، نعم يصح ويفهم إذا ترجمناها إلى الإندونيسية بقولنا :
Setelah kesusahan pastilah ada kemudahan.
ولكن ما هو أقرب إلى ذهن الإندونيسين وأشد تأثيرا لهم، هو قولنا
Habis Gelap, terbitlah terang.
وكذا قول العرب " الاتحاد أساس النجاح "، فالشائع عند الإندونيسيين هو:
Bersatu kita teguh, bercerai kita runtuh.
ه) عناصر البلاغة
وقد ذكر الباحث أن العربية هي لغة تتميز عن الأخرى لما فيها من أساليب ومفردات وتراكيب يصعب على المترجم ترجمتها بلغتهم الفصيحة، وخاصة العربية التي تكون في ألفاظ متن الأحاديث النبوية وهي أفصح العربية فإنها لغة قريش الذين هم أفصح العرب، فيزداد فيها صعوبة في ترجمتها، لكثرة المفردات التي لم تكن متقاربة في لغة أخرى، ولبلاغة أساليبها، والمراد بالبلاغة في الأسلوب يعني ألفاظ أو جمل تتضمن عناصر البلاغة الثلاثة من معان وبديع وبيان، تحسنبها الجمل تركيبها وأشكال ألفاظها ومعانيها ومطابقتها للأغراض ولمقتضى الأحوال فيتأثر بها المخاطب. ويجمعها قول " البلاغة هي تأدية المعنى الجليل واضحا بعبارة صحيحة فصيحة لها في النفس أثر خلاب مع ملائمة كل كلام للموطن الذين يقال فيه والأشخاص الذين يخاطبون. (شمس الهدى :2011).
فموضوع البلاغة تنقسم إلى ثلاثة، المعاني، والبيان، والبديع. أما البديع فمباحثه ما يتعلق بقسيم الجمل وأغراضهم، لقد سبق ذكره. والوصل والفصل، والإيجاز والإطناب والمساوة. وأما البيان فمباحثه تشبيه ومجاز وكناية. وأما البديع فما يتعلق بالمحسنات إما من جهة اللفظية وإما من جهة المعنوية.
وفي كلام العرب كثير من الإيجاز والإطناب، فالإيجاز (شمس الهدى: 2011) هو جمع المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل مع الإبانة والإفصاح. وأما الإطناب فزيادة اللفظ على المعنى لفائدة تقويته وتأكيده. فذلك يزيد في المترجم صعوبة فإنه لابد من أن يترجم العربية التي يكثر فيها الإيجاز بأسلوب واضح وفصاحة بينة، وبأسلوب بسيط واختصار يتسهل للقارئ فهمه مع كون عربيته على إطناب. مثل قوله تعالى " قال رب إني وهن العظم واشتعال الرأس شيبا ..."، فالعبارة فيه طويلة مع أن المعنى قصير لإفادة معنى التضرغ والضعف والخشوع والخضوع لله، إذ يكتفي من أن يصاغ بقولنا " رب أنا عجوز ".
وكذا عناصر البيان، وأعد الباحث أنه أصعب عناصر البلاغة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام " كلكم راع إلخ .... ". فإن لم يستوعب المترجم علم البلاغة، فلا ينافي من يترجمه حسب معناه الحرفي، فيقول في ترجمته :
“Setiap kalian adalah pengembala”
فالصواب أن فيه تشبيه كل منا بالراعي فالتقدير " كلكم كالراعي " في مسؤوليته عما استؤمن به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق