الأربعاء، 25 يونيو 2014

أهمية ترجمة اللغة العربية إلى مختلف اللغات

الترجمة أصلا في الإندونيسة مأخوذة من العربية، ترجم-يترجم-ترجمة وهي لغة الشرح والتفسير.وهكذا قال Irhamni (8 : 2011) نقلا عن البغوي أن الترجمة هي التبيين. فيتمكن إذن من أن نقول أنها أمر لا نفرقه عن الناس لشدة الحاجة إليه، فبها عبر الناس عن الأغراض الفكرية في ألفاظ يجري عليها اللسان. واصطلاحا عند Catford (في Hartono: 2003) هي نقل نصوص لغة (المنقول منه) إلى ما يقابلها في نصوص لغة أخرى (المنقول إليه). أو ماقاله Pinchuck (1977:38) أنها إيجاد ترادف ما في المنقول منه في عبارة المنقول إليه.
وليست الترجمة من محدثات الأمور التي يعترف بها البشر، وقد اكتشف المعجم الذي يعد أول المعاجم في العالم في جزيرة العرب (Al-Farisi: 2011)،  واتضح لنا من ذلك أن علوم الترجمة قد ظهرت منذ عنوق الدهر، ويبلغ عمر الترجمة منذ ظهورها ما بلغ سن علم الكتابة (Savory في Hartono: 2003). فبالترجمة تتبادل الشعوب في العالم أفكارهم وثقافتهم وحضاراتهم، كما أن الروم – وهم يدعون أنهم مؤلفوا جميع العلوم كلها - كانوا يأخذون العلوم من مصر والهند والصين، وذلك بوسيطة الترجمة.
الترجمة مبحثها هو اللغة، فاللغة هي نتيجة الثقافات، فباللغة أيضا يعرف مدى تقدم الثقافة في قوم، فلذا يقول أهل العلم في الصينيين أنهم أقدم قوم في الثقافةوالحضارة بألفين وخمسمائة (2500) سنة قبل الميلادية، لأنهم أول قوم يعرفون الكتابة في القرن الخامس عشر (1500) سنة قبل الميلادية (Wibowo: 2013)، فهم يترجمون أغراضهم إلى ألفاظ كتابية ووضعوا بها شتى العلوم، وقد قال بعض أهل التاريخ أن الصينيين كانوا يترجمون الكتب البوذية التي كانت على لغة الهند إلى لغة الصين (Perlindungan :2012). فنشعر مما ذكر فيما سبق، أن الترجمة تنشأ بها وتتقدم الثقافات والحضارات، وتنتشر بها العلوم وشعائر الدين.
فلذا ذهب الباحث إلى أهمية الترجمة في حياة الناس، فإنا نعرف مما تقدم أن الترجمة نقل ما في لغة من الأغراض والمعاني ليفهمها الناس بلغة أخرى ينطقون بها ويعقلون ويتفقهون، فيعتبر بعضهم ببعض لتطوير حياتهم. فلذا قال Newmark (1987) (Al-Farisi: 2011) "لم تكن الاتصالات العالمية دون الترجمة". فبالاتصالات العالمية تتعارف الشعوب في العالم، ويتبادلون بينهم، ويستفيد بعضهم ببعض. كما أن الغربيين قبل ظهور الإسلام، هم في سوء أحوال الحياة، وضيق المعيشة، وشدة الجهل، فلن تجدوا تقدم الثقافات ولا الحضارات ولا العلوم إن لم يأتهم المسلمون بعلوم الإسلام وثقافته، فيتعلمون من المسلمين ويقرأون عليهم كتبهم ويترجمونها إلى مختلف لغات أوروبا.
فالناس محتاجون بعضهم إلى بعض وإلى التفاهم بينهم، وإلى تطوير حياتهم وثقافاتهم وحضاراتهم، ولا يصلون إلى التفاهم، ولا يحصل لهم تقدم الثقافات ولا تطور الحياة دون فهم مختلف ألسنتهم، واللغات كثيرة ومتنوعة يستحيل من فهمها كلها، فلذا يحتاجون إلى الترجمة. وحاصل ذلك قال فيه Dick  Hartoko (widyamartaya: 1989) أن "الحاجة إلى ترجمة الكتب ليست من علامات التأخر وإنما من علامات التظاهر والقيام بتبادل الأخبار والأفكار".
        ومن أشهر اللغات وأهمها، اللغات الرسمية التي أقرت بها منظمة الأمم المتحدة، هي الإنجليزية، والعربية، والفرنسية، والروسية، والصينية، والأسبانية (Kompasiana:2012). والعربية لا ينكرها أحد أنها من أهم اللغات في العالم التي ينطق بها حوالي ثلاثمائة مليون نسمة في العالم، خاصة العالم العربي الذي يستقر به خمس والعشرون من بلدان العرب.
        فاتضح لنا أن من ضرورية الأمور أن تترجم العربية إلى أخرى لشدة حاجة الناس في العالم إليها، بنسبتها أحدى لغات العالم، وأولى اللغات في الإسلام الذي هو أصبح الآن دينا يتدين به أكثر الناس في العالم (Muadz:2014). فبها أيضا يتعلم المسلمون كثيرا من علوم دينهم ويقيمون بها بعض عباداتهم التي لا تتم إلا بالعربية، مثل الصلاة وقراءة القرآن، فلا استغناء لهم إذن عن العربية.
وأما إندونيسيا، مع كونها أعظم البلاد الذي أكثر شعوبه المسلمون (Suryanatha: 2013)، فلا يتطرق الشك إلى أننا الإندونيسيين في غاية الحاجة إلى العربية أو ترجمتها في الإندونيسية في شتى الأمور دنيوية كانت أم دينية. وخاصة في الأمور الدينية، فكان مقام العربية منهم كمقام الهواء من التنفس. كيف لا، والعربية مكتوبة بها معظم علوم الإسلام علمية كانت أم دينية.
ودخل فيها الأحاديث النبوية التي هي ثانية مصادر الإسلام وأساسه بعد القرآن، فكل واحد من المسلمين لا بد من الأحاديث النبوية بعد كتاب الله العزيز(السخاوي: 1998م)، فمن المؤلفات المشهورة بين المسلمين في الحديث ما جمعه الشيخ يحي بن شرف النووي وسمى كتابه "الأربعين النووية". وهذا كتاب جامع مانع لأحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد انتفع به كثير من الإندونيسيين (Al-Banna: 1999). ولكن المشكلات التي يواجهها مسلموا إندونيسيا هي فهم معاني الأحاديث التي تأتي بالعربية، فلا عجب من أن يلفتوا نظرهم إلى ترجمة الأحاديث. فتسابق العلماء الإندونيسين بشرح الحديث وترجمته إلى الإندونيسية وما كان ذلك إلا إلى أمر الدين المتين وخدمة الأمة في الحصول على على معانيها وتفقه الدين.
ولكن الترجمة ليست عملية يتسهل بها عامة الناس، و لم تقتصر على نقل لغة إلى أخرى فحسب من غير مراعاة الأشياء التي يحسن بها الترجمة من فصاحة اللغتين وصحتهما والمعاني المتقابلة بينهما المتضمنة المعاني المقصودة وغيرها، لكون المترجم في مقام الوسيلة في تبليغ رسالة الكاتب في ذهن القارئ، فلا يكتفي المترجم بأن يترجم العربية معتمدا على رأيه وخبرته فحسب.
فينبغي للمترجم أن يستوفي ما لا بد له في ترجمته ليحصل على ترجمة يسلم القارئ من خطأ الفهم. فمن وظائفه الكشف لنظائر معاني المنقول منه وشرحها وإحضارها في تعبير المنقول إليه، وذلك يتم بثلاث (Larson في Al-Farisi :2011) : الإصابة أو المطابقة،والوضوح، وعدم التعدي في التعابير.والعربية نظرا إلى ما ذكر فيما سبق أن لها خواص ومزايا لم يتمكن من أن يحل محلها تعبير لغة أخرى (القطان: 2000م). من أساليب ومفردات وتراكيب. وخاصة العربية التي تكون على لغة قريش الذين هم أفصح العرب ويأتي بلغتهم القرآن ومتن الأحاديث النبوية، وإليهما تستند علوم العربية (الفنتوخ والآخرون: 1418ه) وتؤخذ منهما أصول العربية.
 فيزداد فيها صعوبة في ترجمة القرآن والحديث، فهما أفصح العربية وأصحها وقمتها تعبيرا وبلاغة، ولهما من خواص التراكيب وأسرار الأساليب ولطائف المعاني لا يستقل بأدائها لسان، فلذا لقد سمع الباحث أقوالا أن أكثر ما يترجم به القرآن والحديث هو الترجمة الحرية، كما جاء فيمن ترجم قوله عليه الصلاة والسلام "الماء من الماء" (رواه مسلم)، فقد ترجمه بالإندونيسية :
Air itu berasal dari air.
فالصواب ما ذكره الحافظ ابن حجر (العسقلاني: 1379ه)  في شرحه "فتح الباري" أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام أن الماء الأول يعني ماء الغسل للجنابة، والثاني ماء يسبب إلى وجوب غسل الجنابة وهو المني، فالأصح في ترجمة الإندونيسية :
Kewajiban mandi jinabah disebabkan oleh keluarnya air mani.        
فكيف إذن إذا أخطأ في ترجمة نصوص الدين التي أوسع معنى وأعمق مرادا؟. وقد قالM. Zaka Al-Farisi  (Al-Farisi: 2011) أن نصوص الدين أحق بأصح الترجمة، فإنه إذا أخطأ وأساء في ترجمتها فقد ضل ويضل بها القارئ الذي يتدين بهذا الدين. كمن وقع في سوء ترجمة قوله عليه الصلاة والسلام "فمن اتقى الشبهاتفقد استبرأ لدينه وعرضه" (رواه البخاري ومسلم).
Maka siapa yang takut terhadap syubhat berarti dia telah menyelamatkan agamanya dan kehormatannya.
بل الصواب أن "اتقى" ومعناه الشياقي الاجتناب عن الشبهات وتركها، كذا ذكره المحدّث الحافظ أبو العباس أحمد القرطبي (القرطبي: 2004م). فربما يتمكن من أن ترجمناها باللغة الإندونيسية كما يلي :
Siapa yang menghindari hal-hal yang syubhat berarti dia telah menyelamatkan agamanya dan kehormatannya.

ومن ذلك كله يخاف على من قرأه من أن يخطأ في فهم معنى قوله عليه الصلاة والسلام، فلا يتفقهون دينهم بل يضل به لترجمته بالحرفية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق